نهج البلاغة/الخطبة الشفشقية
المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة
ومن خطبة له (عليه السلام) المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة [وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له] أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها[1] فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ[2] دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً[3]، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ[4]، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة[5] عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. [ترجيح الصبر] فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى[6]، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً[7]، أرى تُرَاثي[8] نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا[9]إِلَى فلان بَعْدَهُ. ثم تمثل بقول الاعشى: شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا[10] * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها[11] في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا[12] ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا[13]، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ[14] [فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ[15]، إِنْ أَشْنَقَ[16] لَهَا خَرَمَ[17]، وَإِنْ أَسْلَسَ[18] لَهَا تَقَحَّمَ[19]، فَمُنِيَ النَّاسُ[20] ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط[21] وَشِمَاس[22]، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض[23]. فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى[24]! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ[25]! لكِنِّي أَسفَفْتُ[26] إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا[27] رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه[28]، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن[29]. إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ[30] بَيْنَ نَثِيلهِ[31] وَمُعْتَلَفِهِ[32]، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ[33] مَالَ اللهِ خَضْمَ الاِْبِل نِبْتَةَ[34] الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ[35]، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ[36]، وَكَبَتْ[37] بِهِ بِطْنَتُهُ[38].